طرق انتقال فيروس C وأسبابها

طرق انتقال عدوى فيروس C

يُعد فيروس التهاب الكبد C (Hepatitis C Virus – HCV) من أكثر الفيروسات التي تُسبب أمراضًا مزمنة في الكبد، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل التليف الكبدي وسرطان الكبد. لا تظهر العدوى غالبًا في مراحلها المبكرة، مما يجعل انتقالها صامتًا وخطرًا في الوقت ذاته. ولذلك فإن فهم طرق انتقال هذا الفيروس يُعد أمرًا أساسيًا للوقاية من الإصابة به، لا سيما في البلدان التي ترتفع فيها نسب الانتشار أو تنخفض فيها جودة الرعاية الصحية.

مقدمة حول فيروس التهاب الكبد C

فيروس C هو فيروس من نوع RNA ينتمي إلى عائلة Flaviviridae، ويُصيب بشكل أساسي خلايا الكبد، مما يؤدي إلى التهابات حادة أو مزمنة. وفي حين يُشفى البعض من العدوى الحادة تلقائيًا، إلا أن أغلب الحالات تتطور إلى مزمنة إذا لم تُكتشف مبكرًا. تكمن خطورة الفيروس في أنه لا ينتقل عبر الطعام أو الماء أو المصافحة، وإنما يرتبط انتقاله بشكل رئيسي بالتعرض المباشر للدم الملوث أو المنتجات البيولوجية التي تحتوي عليه.

أولًا: الانتقال عبر الدم

1. نقل الدم الملوث

يُعد نقل الدم غير المفحوص من أهم طرق انتقال فيروس C، خاصة في الدول التي لا تعتمد أنظمة صارمة لفحص الدم. وتاريخيًا، قبل التسعينات، لم تكن اختبارات الفحص الخاصة بفيروس C متاحة، ما أدى إلى إصابة أعداد كبيرة من المرضى الذين تلقوا نقل دم أو مشتقاته. ومع التطور الطبي، أصبح الآن فحص الدم للفيروس إلزاميًا في معظم البلدان.

2. المشاركة في أدوات الحقن

تُعد مشاركة الإبر أو الحقن بين متعاطي المخدرات من أخطر مصادر انتشار الفيروس، ويُعتبر هذا السلوك مسؤولًا عن نسبة كبيرة من الحالات الجديدة عالميًا. إذ تنتقل العدوى من شخص لآخر عبر كميات صغيرة جدًا من الدم العالقة في الحقن أو الإبر الملوثة.

3. الأدوات الطبية غير المعقمة

العمليات الجراحية أو الإجراءات الطبية (مثل غسيل الكلى، القسطرة الوريدية، أو حتى علاج الأسنان) قد تكون مصدرًا لانتقال الفيروس إذا لم يتم تعقيم الأدوات بشكل كافٍ. في بعض المناطق التي تعاني من ضعف في البنية التحتية الصحية، لا تزال هذه الوسيلة من وسائل العدوى النشطة.

4. الوشم والثقب (Piercing)

الإبر المستخدمة في الوشم أو ثقب الأذنين والجسم تُعتبر ناقلًا محتملًا للعدوى إذا لم يتم تعقيمها جيدًا. ورغم أن بعض الدول فرضت قوانين صارمة على هذه الممارسات، إلا أن الخطر لا يزال قائمًا في بعض صالونات التجميل التي لا تلتزم بالإجراءات الصحية المناسبة.

ثانيًا: الانتقال عبر الممارسات اليومية والعائلية

1. مشاركة الأدوات الشخصية

تُعد الأدوات الحادة أو التي قد تلامس الدم مثل شفرات الحلاقة، مقصات الأظافر، فُرش الأسنان، من الوسائل المحتملة لانتقال فيروس C بين أفراد العائلة أو داخل أماكن السكن المشترك، خاصة إذا كانت ملوثة بدم شخص مصاب وتمت مشاركتها دون تنظيف وتعقيم.

2. الحلاقة والتجميل في أماكن غير مرخصة

الممارسات التجميلية مثل الحلاقة أو إزالة الشعر بالشفرة أو تنظيف البشرة بالأدوات الحادة قد تُسهم في انتقال الفيروس إذا لم يتم تعقيم الأدوات أو تغييرها بين الزبائن. ويُعد هذا السبب شائعًا في بعض المناطق الريفية أو الشعبية.

ثالثًا: الانتقال من الأم إلى الجنين

قد ينتقل فيروس C من الأم المصابة إلى جنينها أثناء الولادة، وتُعرف هذه الحالة بـ”الانتقال العمودي”. وتُقدّر احتمالية حدوث هذا الانتقال بما يتراوح بين 4% إلى 7% من الحالات. إلا أن معدل الانتقال يزداد إذا كانت الأم مُصابة بفيروس نقص المناعة البشري (HIV) بالإضافة إلى فيروس C، وقد يصل إلى أكثر من 15%.

لا يُعتبر الإرضاع الطبيعي وسيلة لانتقال فيروس C، إلا إذا كانت هناك تشققات في حلمة الثدي تؤدي إلى تسرب الدم، أو إذا وُجدت جروح داخل فم الطفل.

رابعًا: الانتقال عبر العلاقات الجنسية

رغم أن فيروس C لا يُعتبر من الفيروسات المنتقلة بشكل رئيسي عبر الجنس، إلا أن هناك احتمالية ضئيلة لانتقاله عبر العلاقات الجنسية، خصوصًا إذا ترافقت الممارسة مع وجود جروح أو نزيف، أو إذا كان أحد الطرفين مصابًا بأمراض منقولة جنسيًا تزيد من احتمالية العدوى.

يُعد الانتقال الجنسي أكثر شيوعًا بين:

• الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال.

• الأشخاص المصابين بأمراض منقولة جنسيًا.

• الأشخاص الذين يغيرون شركاءهم الجنسيين بشكل متكرر.

• الأزواج المصابين بأمراض نقص المناعة أو فيروس HIV.

خامسًا: مخاطر انتقال العدوى في أماكن العمل

يُعد الطاقم الطبي في المستشفيات من الفئات المعرضة لخطر العدوى بفيروس C، خاصة عند التعامل مع عينات دم ملوثة أو حالات إصابة غير مكتشفة. وتُعد الحوادث المرتبطة بالوخز بالإبر أو التماس المباشر مع سوائل الجسم دون حماية كافية من الأسباب المحتملة للعدوى.

للوقاية من هذا النوع من العدوى، يجب الالتزام باستخدام القفازات والملابس الواقية، والتخلص من الأدوات الطبية بطريقة آمنة وفقًا للإرشادات العالمية.

سادسًا: الانتقال عن طريق زراعة الأعضاء

في حالات زراعة الأعضاء مثل الكبد أو الكلى أو القلب، قد تنتقل العدوى إذا كان العضو المنقول مصدره شخص مُصاب بفيروس C ولم يتم الكشف عنه أثناء الفحص. ولذلك، تخضع الأعضاء المُتبرع بها للفحص الدقيق، ومع ذلك تبقى بعض الحالات النادرة سببًا لانتقال الفيروس.

سابعًا: الانتقال عبر منتجات الدم ومشتقاته

تشمل مشتقات الدم مثل البلازما، عوامل التجلط، والغلوبولين المناعي. وتُستخدم هذه المنتجات بشكل واسع في علاج مرضى الهيموفيليا أو اضطرابات النزف، وإذا لم يتم فحص هذه المنتجات بشكل دقيق، فقد تُسبب انتقال فيروس C. ومع التقدم في تكنولوجيا الفحص، أصبح خطر العدوى عن طريق هذه المنتجات منخفضًا بشكل كبير في الدول المتقدمة، لكنه لا يزال قائمًا في بعض الدول ذات الموارد المحدودة.

ثامنًا: الانتقال في السجون وأماكن الاحتجاز

تشير الدراسات إلى أن السجون تُعد بيئة عالية الخطورة لانتقال فيروس C، نتيجة لاستخدام أدوات الحقن بشكل جماعي بين السجناء، أو نتيجة لنقص التوعية وممارسات النظافة، والمشاركة في أدوات الحلاقة أو الوشم باستخدام أدوات غير معقمة. كما تُسهم بعض الممارسات الجنسية غير المحمية داخل السجون في تعزيز هذا الخطر.

تاسعًا: الانتقال في حالات الطوارئ والحوادث

قد يتعرض المسعفون أو المتطوعون أو حتى العامة للإصابة إذا قدموا الإسعاف لشخص مصاب دون استخدام أدوات الحماية، مثل القفازات أو الأدوات المعقمة، خاصة في حال وجود نزيف. وقد ينتقل الفيروس عبر ملامسة الجروح المفتوحة أو الأغشية المخاطية للدم الملوث.

جدول: طرق انتقال فيروس C ومخاطرها النسبية

الخلاصة العلمية

فيروس C لا ينتقل عبر الهواء أو الطعام أو التلامس العادي، بل يتطلب وجود دم ملوث أو منتج ملوث يدخل مجرى الدم بشكل مباشر. هذا الفيروس ليس مُعديًا كفيروس الإنفلونزا أو كورونا، ولكنه يشكل تهديدًا كبيرًا على المدى الطويل، نظرًا لمضاعفاته الصحية الكبيرة ولأنه قد يبقى صامتًا لسنوات.

التوعية والتدريب والفحص المستمر واستخدام وسائل الوقاية الحديثة كلها أدوات ضرورية للحد من انتقال العدوى. كما يُعد الالتزام بالإجراءات الصحية في المستشفيات والعيادات ومراكز التجميل أمرًا حيويًا. إن محاربة فيروس C تعتمد بشكل رئيسي على الوقاية والكشف المبكر قبل أن تتطور العدوى إلى مضاعفات مزمنة.

المصادر

1. World Health Organization. Hepatitis C Fact Sheet.

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC), Viral Hepatitis: Hepatitis C.